"فالون" والفهم الخاطئ لاستراتيجية النصر
لكي تدركوا لماذا يمثل تقاعد الأدميرال البحري "ويليام فوكس فالون" قائد القيادة المركزية الأميركية، خبراً ساراً، ما عليكم سوى إلقاء نظرة على الملف الشخصي الذي نشر له في مجلة "ايسكواير" والذي يوضح سبب استقالته. الملف كتبه "بي إم. بارنيت"، وهو أستاذ سابق في كلية الحرب البحرية، وقد تحدث عنه بمجاملة زائدة، حيث وصفه بأنه رجل يتمتع بالعبقرية الاستراتيجية، دون أن يقدم أدلة على ذلك. ويشير "بارنيت" إلى المحاولة التي قام بها "فالون" لحذف "عبارة الحرب الطويلة" التي كان سلفه في المنصب قد صكها؛ لأن استخدام هذه العبارة يشير إلى مشروع طويل الأمد رأى "فالون" أنه غير مقبول، دون أن يكلف نفسه عناء الإشارة لنوعية الحرب المقبولة التي يمكن أن تؤدي إلى هزيمة أعدائنا بين عشية وضحاها. واكتفى كاتب الملف بالإشارة إلى أن ما كان يريده "فالون" في العراق هو خفض مستوى القوات فوراً، وأن ما كان يريده في أفغانستان هو أن يصبح الجيش الأفغاني قادراً على تولي المسؤولية عن العمليات في معظم أنحاء البلاد، وهي إجراءات أرى أنها لو وجدت طريقها إلى التنفيذ، لكانت قد أدت إلى وقوع كوارث أمنية.
ويحاول "بارنيت" أظهار "فالون" في صورة الرجل الذي لا يخشى من مواجهة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية "بوش" الذي يفكر في شن حرب ليست صحيحة من الناحية الاستراتيجية مع إيران، وأيضاً في صورة الرجل الذي يرى أنه هو وحده القادر على التفكير في الوسائل والظروف التي تحول دون خوضها. إن ما يحتاج "فالون" و"بارنيت" إلى فهمه، هو أن تأكيدهما بأن أميركا ليس لديها حتى الآن خطة لمهاجمة إيران، لا يؤدي إلى شيء سوى تعزيز وضع الملالي الحاكمين في طهران، وتشجيعهم على المضي قدماً في تطوير أسلحتهم النووية، ودعم الجماعات الإرهابية التي تقتل الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان. والرئيس "بوش"، على عكس ما كان "بارنيت" يحاول أن يوحي، ليس لديه أي خطط سرية لقصف إيران، ولم يكن "فالون" هو الرجل الذي كان يبذل جهداً كي يحول بينه وبين المضي قدماً في ذلك، فالحقيقة هي أن الرئيس كان يسعى إلى مواصلة الضغط على إيران، وأن "فالون"، بما كان يفعله ويصرح به، كان يقوض ذلك دون أن يدري أن استبعاد خيار القوة من قائمة الخيارات المطروحة، كان يزيد من احتمالات الحرب.
يقول "بارنيت": إن "روبرت جيتس" وزير الدفاع، والذي يتصف بالذكاء، قد أزاح "فالون" خارج قيادة الباسيفيكي رغم نجاحه في تحقيق السلام مع الصينيين، وعينه في منصب قائد القيادة المركزية حتى يستطيع أن يكبح جماح الجنرال "ديفيد بيترايوس"! لكن من المشكوك فيه أن يكون ذلك هو ما دفع "بوش" و"جيتس" إلى تعيين "فالون" قائداً للقيادة المركزية. فما الذي يدفعهما أساساً إلى كبح جماح الجنرال الذي يعتمدان عليه في تحقيق النصر في العراق. لذلك فالسؤال هو: لماذا يرغب "بارنيت" في كتابة مثل هذا الكلام؟ الإجابة هي أن ما قاله قد يكون انعكاساً لأفكار "فالون" ذاته، والذي ربما كان يرى أنه حتى لو لم يكن قد عُين خصيصاً من أجل كبح جماح "بيترايوس"، فإن تعيينه في هذا المنصب كان لا بد أن يؤدي في النهاية إلى تحقيق هذا الغرض. لم يتحقق ذلك بالطبع؛ لأن "فالون" كان وافداً جديداً على الشرق الأوسط والعراق، في حين أن "بيترايوس" كان قد خدم هناك لسنوات، وكان مهندس الاستراتيجية التي أنقذت الولايات المتحدة من هزيمة شبه محققة. لكنها استراتيجية لا يحبذها "فالون"، كما يتبين من الدلائل كافة. فـ"فالون" لم يعارض استراتيجية زيادة عدد القوات في العراق على المدى الطويل بهدوء، كما يقول "بارنيت"، وإنما حاول أن يقوض هذه الاستراتيجية من خلال إجراء عمليات تخفيض لعدد القوات الموجودة هناك بمعدل أسرع مما كان "بيترايوس" يعتقده مناسباً، وهو ما عمل الرئيس بوش -وكان على حق في ذلك- على تعطيله وعلى الحيلولة بين "فالون" وبين المضي قدماً في تلك المحاولة. ولعل هذا تحديداً ما جعل "فالون" يستشيط غضباً على النحو الذي دفعه لتقديم استقالته.
المشكلة مع الأشخاص الأذكياء، أو على الأقل مع الأشخاص الذين يشعرون أنهم أذكياء، هي أن الحال يصل بهم في نهاية المطاف إلى درجة يتفوقون بها على أنفسهم في الذكاء. فهذا النوع من الذكاء، هو الذي جعل "فالون" يعتقد أن الحرب في العراق تؤدي لإلهاء أميركا عن صياغة "استراتيجية شاملة للشرق الأوسط"، في حين أن ما كان يحدث في الواقع يؤكد أن الاستراتيجية الحقيقية التي تستحق أن ننفق عليها أموالاً هي الاستراتيجية التي ستجعلنا نكسب الحرب في ذلك البلد، إذ لو فشلنا في ذلك فإن تحقيق جميع الأهداف الأخرى سيصبح أمراً بالغ الصعوبة. وهذا شيء يفهمه جيداً الجنرال "بيتراويوس" ويفهمه أيضاً الليفتنانت جنرال "راي أوديرنو"، مهندس استراتيجية ضخ المزيد من القوات، لكنه الشيء الذي لم يفهمه "فالون" أبداً. دعونا نأمل أن يكون لدى خلفه في المنصب إلماماً أكبر بقضايا كمسألة الدين والدور الذي يلعبه في سياسات المنطقة؛ لأن رئيس أميركا الحالي- أو أي رئيس لاحق- يستحق على الأقل أن يكون لديه قائد للقيادة المركزية يعمل على تنفيذ سياساته، لا أن يقوم بتقويضها.
ماكس بوت
ـــــــــــــ
زميل رئيسي في "مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"
ـــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"